الضفة الغربية – خدمة حرية نيوز
شهدت الضفة الغربية المحتلة في السنوات الأخيرة ولا سيما الشهور القليلة الماضية تطوراً نوعياً في وعي المقاومة الأمني والعسكري، مما أربك قوات الاحتلال واستخباراته التي طالما كان يتغنى بها، فباتت المقاومة الفلسطينية تعيش حالة جديدة من الوعي المقاوم، وبناء الخطط لإدارة المعركة في الضفة الغربية.
في الضفة المحتلة جيل شبابي جديد مقبل غير مدبر، يسعى لتحرير وطنه بكل الإمكانيات المتاحة، مستخدماً التكتيكات في الميدان كي يصيب المحتل بكل ما أعد له من قوة، متخذاً من الوسائل النضالية الجديدة طريقاً لحماية المقاومين وتسديد رميهم، مسجلاً علامة فارقة للجيل المقاوم في الضفة الغربية.
ولم يَغِب عن ميدان المقاومين الوعي الأمني كمقدمة يتبعها إنجاز عسكري يؤدي إلى أرباك الاحتلال في العديد من ساحات المواجهة.
وشهدت ساحات الضفة الغربية أشكالاً مختلفة من وسائل المقاومة ابتداءً من إطلاق النار وتفجير العبوات الناسفة بالقوات الراجلة والمقتحمة لمخيمات ومدن وقرى الضفة الغربية مروراً بنصب الكمائن والتنقل من مكان إلى أخر.
تكتيكات ووسائل أدت إلى تشتيت قدرة العدو في أغلب الأحيان عن تحديد مواقع المقاومين، ومن جهة أخرى مكنت المقاومة من حماية نفسها، والحفاظ على سلامة مقاوميها، وإمدادهم بفرصة المقارعة والباغتة لمرات عديدة في ساحات متنوعة.
المقاومة المتحركة
ومن الوسائل التي استخدمها مقاومو الضفة هو عدم المواجهة مع المحتل في مكان متوقع، إضافة إلى الانتقال من مكان لآخر فليس المخيم مكاناً وحيداً لعمليات المقاومة، فالانتقال من المدينة إلى الأرياف وسيلةً تجعل الاحتلال يقع في دوامة التشتيت وعدم القدرة على تحديد مكان الخلية العسكرية والمحيط الذي تأوي إليه، إلى جانب المساندة من المناطق المحيطة للمنطقة المستهدفة لدى الاحتلال.
ولعل أبرز الأمثلة على ما سبق، ما شنته المقاومة للعديد من الهجمات العسكرية التي خرجت من مخيم جنين ثم انتقلت إلى الشوارع الالتفافية التي يستخدمها المستوطنون مروراً بالمدينة ذاتها وفي أحيائها الشرقية منها والغربية.
كما قام المقاومون بمساندة بعضهم بعضاً، ففي الوقت الذي تصل المواجهة إلى ذروتها في مكان ما. تجد مقاومون آخرون ينخرطون بالمعركة ليساهموا في تسهيل حركة زملائهم إذا أرادوا الانسحاب من المكان.
هذه الحركة وعدم الثبات على مكان معين، منع الاحتلال من تحديد أماكن تواجد المقاومة، أو حصر زمان تنفيذها للفعل المقاوم.
كما أنَّ المقاومة أثناء الهجمات داخل الضفة الغربية تقوم بالتعاون مع مقاومين آخرين في إطلاق النار في أماكن أخرى قريبة من مسمع الجنود في مركبات الاحتلال المشتبكة مما يجعل الخوف يتسلل إلى الاحتلال فيجعل قرار الانسحاب سلاحاً إضافية تستخدمه المقاومة أثناء العملية.
ويكشف التنوع في أماكن إطلاق النار عن حجم التنسيق الكبير بين قوى المقاومة الفلسطينية، ومساحة الثقة التي فرضتها حالة المواجهة مع الاحتلال، ووحدانية الهدف بين كافة المقاومين على اختلاف مشاربهم والمتمثل في دحر الاحتلال وتحرير الأرض.
صفارات الإنذار
يعد إجراء تفعيل صفارات الإنذار في مخيم جنين للتنبيه على محاولة جيش الاحتلال اقتحام المخيم، ما يمنح المقاومين فرصة الاستعداد لمواجهة القوات المقتحمة، واستخدام الكمائن لصيد جنوده ومركباته.
وفكرة ابتكار صفارات الإنذار في المخيم لم يتجاوز عمرها ال 6 شهور وهي عبارة عن جهاز مربوط بسماعات توضع على مآذن المساجد وتعمل بواسطة تطبيق عن بُعد له كلمة سر لا يعرفها إلا عدد محدود من المقاتلين، وهذه الصفارات يتمكن من رؤيتها أي مواطن عادي لا سيما وهي منصوبة على مآذن المساجد.
وحاول الاحتلال الإسرائيلي تعطيل نظام صفارات الإنذار عن طريق قطع الكهرباء عن المخيم، إلا أنَّ هذه الصفارات ربطت بمولدات كهربائية لا تتأثر بانقطاع التيار الكهربائي، وتقوم وحدة من المقاومين بعمل صيانة دورية للصفارات التي ساعدتهم في حماية أنفسهم أثناء الاقتحامات المتتالية.
الكمائن
واستفادة المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية من الخبرات النضالية التي تكونت في قطاع غزة وانتقلت إلى الضفة الغربية ممثلةً في استنزاف العدو، ويُعَدُ تكتيك الكمائن من الوسائل المؤثرة في اقتناص الدوريات والمركبات الصهيونية ويُظْهِرُ هذا التكتيك مرونةَ المقاومة وقدرتها على التكيّف مع الظروف المختلفة، والحفاظ على تأسيس قواعد المقاومة داخل مراكز المخيمات والمدن.
ووثقت كتائب القسام في الثاني من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2023 عبر تسجيل مصور كميناً نصبته لجيش الاحتلال على مفرق بيت ليد بالقرب من مدينة طولكرم، وظهر في الفيديو المنشور عملية إطلاق النار من سيارة مسرعة باتجاه مركبة صهيونية أدت إلى مقتل سائقها وهو جندي إسرائيلي.
ويشكل توثيق العمليات في الضفة الغربية أهمية كبيرة في تمزيق الجبهة الداخلية لدولة الاحتلال وتقطيع خارطة الثقة بين المستوطنين وحكومتهم التي لا تعلن عن أيّ معلومة فيما يتعلق بقتلاها إلا بعد إذنٍ من الجهات الأمنية المختصة، ويأتي التصوير بمثابة البندقية الإعلامية التي ترافق العمل المقاوم في الميدان.
المباغتة والمبادرة
وتمارس المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية سياسية المباغتة لجيش الاحتلال من خلال عمليات إطلاق النار، وزراعة العبوات الناسفة والخروج من أماكن غير متوقعة لمواجهة الجنود بالسلاح قبل قتلهم او إصابتهم.
وباغتت المقاومة الفلسطينية قوات جيش الاحتلال أثناء قيامها بتأمين حركة المستوطنين إلى قبر يوسف، حيث أردت جندياً قتيلاً وجرحت 4 أخرين قبل أن تنسحب من المكان بأمان، ووثقت كذلك المقاومة صوراً تظهر تفجير عبوات ناسفة بالقرب من مدينة طولكرم، وأظهرت الصور مساحة النار التي التهمت مجموعة من الجنود الذين كانوا بالمكان.
الحاضنة الشعبية
تقوم الحاضنة الشعبية الفلسطينية بتقديم كافة أشكال الدعم والحماية للمقاومين، بعد إدراكها أنَّ الحرية لا تأتي إلا بهذا الطريق المعبد بكل المخاطر المحسوبة وغير المتوقعة، حاضنةٌ لم تعد تبالي بتهديدات الاحتلال وأعماله ماضيةً قدماً لا يهمها غير تقديم المساعدة للمقاومين.
توفر الحاضنة الشعبية المأوى للمقاومة عند المطاردة لقوات الاحتلال، وكذلك يقوم الشبان بإشعال الإطارات المطاطية أثناء وجود المقاومين المسلحين وذلك لإخفاء تواجدهم، وتحسين فرصهم في اصطياد مركبات الاحتلال وآلياته المتنوعة، إضافة إلى تخصيص الحراسة على طول الوقت لمداخل المخيمات لا سيما مخيم جنين.
ومع تطور وسائل التكنولوجيا في القرن الواحد والعشرين وسهولة الوصول للتطبيقات الذكية، فإنَّ خبر دخول الاحتلال أو قربه من تخوم المخيم ينشر على هذه التطبيقات ليراها المقاوم والمواطن ويأخذ الجميع حذره بالنفير والاستعداد.
العلم المسبق بوجود الاحتلال
تساعد الرقابة الدائمة من قبل حراس المخيمات والبلدة القديمة في نابلس المقاومة الفلسطينية على الاستعداد للاقتحامات المتتالية مما يحدث فشلاً في أهداف الاحتلال وخططه.
ومن ذلك ما قام به الاحتلال فجر يوم الجمعة الموافق الخامس من أكتوبر عام 2023 من اقتحام مخيم طولكرم بُعيد الساعة الخامسة فجراً، حيث دخل الجنود عبر شاحنة مواد غذائية اكتشفها المقاومون مبكراً فأغلقوا بوابة المخيم في طريقها قبل العبور فاختارت طريقاً آخر لتسير نحو الكمين الذي أعدته لها المقاومة في حي البلاونة في مخيم طولكرم، وأمطرها المقاومون برصاص كثيف حتي اضطرت على الانسحاب ولم تحقق أهدافها.
وفي مخيم نور شمس بالقرب من مدينة طولكرم أعلنت قوات الاحتلال مقتل جندي من عناصرها وإصابة 9 آخرين بعد اشتباكات عنيفة في كمين نصبه المقاومون في المخيم، وانسحب الاحتلال دون ان يحقق أهدافه من الاقتحام الذي اكتشف ورصد من قبل المقاومة.
تكتيكات رفعت من تأثير المقاومة
تشير الإحصائيات التي نشرها مركز معلومات فلسطين مُعْطىْ في الأشهر الثلاثة التي سبقت إعداد هذا التقرير من العام 2023 تصاعداً واضحاً في أعمال المقاومة في الضفة الغربية حيث بلغت في شهر أغسطس/ آب 859 عملاً مقاوماً وارتفعت الوتيرة في شهر سبتمبر/ أيلول حتى وصلت إلى 1050، وكان لشهر أكتوبر/ تشرين أول العدد الأكبر حتى بلغ 2508 عملاً نضالياً.
وبالمقارنة ما بين عمليات شهر أكتوبر من عام 2023 وعام 2022 من السنة السابقة نلاحظ أن عمليات إطلاق النار في شهر أكتوبر لوحده من العام 2023 وصلت إلى 482 عملية، أي ما نسبته 60% من أعمال سنة 2022 برمتها والتي بلغ عدد عمليات إطلاق النار فيها 848.
وفيما يتعلق بزراعة العبوات الناسفة فقد بلغ تعدداها 94 في شهر أكتوبر عام 2023 لوحده أي ما نسبته 50% من عدد العبوات التي زرعت في العام 2022 المنصرم.
وكان لهذه الإحصائيات عن العمل المقاوم نتائج فعلية على الأرض متباينة في عدد القتلى والجرحى الإسرائيليين حيث سجل شهر أغسطس/ آب مقتل 5 جنود وإصابة 58 آخرين، وأمَّا شهر سبتمبر/ أيلول سجل إصابة 34 جندياً، في حين سجل شهر أكتوبر/ تشرين الثاني مقتل جنديان وإصابة 48 آخرين.
وهذا التصاعد المتضاعف في أعداد عمليات المقاومة يكشف عن الأزمة التي يعيشها الكيان الإسرائيلي تحت وقع ضربات المقاومة، ويفسره حالة الانسجام الشعبي بين مكونات المجتمع الفلسطيني الداعم لعمليات المقاومة المساند لها.
وتزداد وتيرة العمل المقاوم في الضفة الغربية يوماً بعد آخر، ويتسع انتشارها، ويزداد تأثيرها، ممتدةً من مدينة جنين والتي شكلت فيها كتيبة جنين، ومجموعات جبع، برقين، وقباطية، مروراً إلى نابلس وطولكرم وطوباس وقلقيلية لتصل إلى الجنوب حيث الخليل وأريحا.
وتبقى المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية صاحبة الامتياز في التغلب على الاحتلال الإسرائيلي وإمكانياته العسكرية، وما زالت تُخْرِجُ للمشاهد العديد من البصمات في مجال التكتيك العسكري رغم كل المعيقات الجاثمة أمام المقاومين في الميدان.