تقاريرسلايد

مخيم الجلزون .. أرضٌ ثائرة ومقاومةٌ متصاعدة بوجه الاحتلال

الضفة الغربية – خدمة حرية نيوز
هناك على الأرض الفلسطينية ثورةٌ تتوقد تواجه المحتل بكل قوة وعنفوان، تقف عصيةً أمام آلة الحرب الإسرائيلية تواجهها كالطود العظيم، تلقي بحممها على الاحتلال، لا تكتفي بالبقاء على حال بل تتصاعد يوماً بعد آخر ملقنةً الاحتلال درساً عملياً مفاده أنَّ البقاء هو لأهل الأرض الأصليين، وأنَّ الزوال للطارئين مهما طالت الأيام، ففي كل جيل يولد ثواره، وتنبض في ثورته الحياة، متعاظمةً شيئاً فشيئاً حتى يأتي اليوم الموعود وتزول الخيمة أو ما بني مكانها ليعود أصحابها إلى أرضهم السليبة.

مخيم الجلزون واحد من المخيمات الفلسطينية أقيم في العام التالي لاحتلال الأرض الفلسطينية عام 1948 إلى جهة الشمال من مدينة رام الله المحتلة، تعانقه العديد من القرى الفلسطينية مثل: جفنا وسردا ودورا القرع، ومن ناحية الشرق أقيمت مستوطنة (بيت إيل) إحدى الأورام التي أصابت الجسد الفلسطيني وما زالت المناعة الوطنية تقاوم وتناهض وتستمر في العراك حتى إنهاء كل مظاهر وجود الاحتلال فوق الأرض الفلسطينية.

سمي المخيم نسبة إلى بئر ماء قريبة من المكان تحمل ذات الاسم، جاء اللاجئون الفلسطينيون وسكنوا هذا المكان الفلسطيني المليء ببساتين الزيتون ونبات المشمش، بعد أن أخرجهم الاحتلال الإسرائيلي من مسقط رؤسهم في مدن اللد والرملة وحيفا، لم يستكن اللاجئون في مخيم الجلزون لحالة اللجوء بل شاركوا في حركة النضال الفلسطيني وقدموا العديد من الشهداء والجرحى والأسرى قرباناً لذلك الهدف النبيل.

مستوطنةٌ وجدار فاصل
لم تكن مستوطنة بيت إيل المقامة بالقرب من مخيم الأمعري جنوب الضفة الغربية غير هدف لأعمال المقاومة الفلسطينية المتكررة تجاه المستوطنين ودوريات جيش الاحتلال التي تقوم بحراسة حركتهم على الشوارع الالتفافية الخاصة بالمستوطنات الإسرائيلية. وتعرض الفلسطينيون في المخيم للعديد من الهجمات التي شنتها المنظمات الصهيونية علاوة على جيش الاحتلال مما لا يدع مجالا للشك أن كل بيت في مخيم الجلزون إلا وأصابه الأذى من الاحتلال.

ويحمل نصب الشهداء التذكاري وسط مخيم الجلزون أسماء 40 شهيداً ارتقوا على يد الاحتلال أثناء المواجهات المشتعلة في المخيم ضد الوجود الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية، وفي مطلع القرن الواحد والعشرين بنى الاحتلال جدار الفصل العنصري وقسَّم منازل المخيم بين هذا الجدار الذي أقامته حكومة الاحتلال لمنع هجمات المقاومة الفلسطينية عقب ارتفاع وتيرة تأثير انتفاضة الأقصى عام 2000.

هدم منازل
يمارس الاحتلال سياسة هدم المنازل لعله يردع المناضلين الفلسطينيين من مواصلة نضالهم، أو أن يحقق أكبر قدر ممكن من العقاب الجماعي لهم ولعائلاتهم، وفي مخيم الجلزون هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزل المواطن باجس نخلة بعد أن أخطرت المحكمة سكان البيت بالهدم بحجة عدم الترخيص.

وعانى نخلة من سياسة الاحتلال على مدار سنوات كثيرة من حياته؛ إذ اعتقله الاحتلال أول مرة عام 1988، ثم توالت اعتقالاته حتى قضى في سجون الاحتلال ما يزيد عن اثنتين وعشرين سنة، وأبعده الاحتلال إلى مرج الزهور في جنوب لبنان أواخر عام 1992 وبقي هناك مدة عام، واعتقل أبنائه لعدة سنوات، واستدعته مخابرات الاحتلال عدة مرات، وهددته بهدم بيته عام 2014، وعزلته في سجونها مرتين كانت الأولى بين عامي (2011-2012)، والثانية عام 2017. وخاض عدة إضرابات عن الطعام أثناء وجوده في الأسر.

صديقان شهيدان
في مخيم الجلزون ولد الشابين خالد عنبر الدباس 21 عاماً، وباسل بصبوص 19 عاماً، وواصلا حياتهما معاً كصديقين عاشا في ظروف المخيم الصعبة، غير أنَّ هذه الصداقة لم تدم طويلاً، فهي كأي شيء جميل في حياة الفلسطينيين لا يعجب الاحتلال فيغيظ الناس بإزهاقه أو إبعاده أو التصرف بما يمنع استمراره.
هذان الشابان الصديقان أعدمهما جيش الاحتلال أثناء تجولهما بالقرب من ضاحية التربية والتعليم بجانب المخيم، وأصاب صديقاً ثالثاً لهما بجراح قبل أن يعتقله ليسجل في تاريخ المخيم اعتداءً وعدواناً على اللاجئين الفلسطينيين. وفي أعقاب ذلك الحدث توافد المئات من شبان المخيم للاحتكاك بالاحتلال ورميه بالحجارة تعبيراً عن غضبهم على ما اقترفت يداه من جريمة.

معركة طوفان الأقصى
لم يكن مخيم الجلزون بمنأى عن الأحداث التي جرت بعد السابع من أكتوبر/ تشرين أول عام 2023 ففي يوم الإثنين الموافق 23/ أكتوبر من السنة الجارية اقتحمت قوات الاحتلال مخيم الجلزون، وشنت حملة اعتقالات طالت نحو 20 مواطنا، واندلعت مواجهات أطلقت خلالها الرصاص الحي بشكل مباشر صوب المواطنين، ما أدى لاستشهاد الشاب محمود سيف الطريش نخلة، ومحمد نضال عليان، وإصابة 4 آخرين بالرصاص الحي وصفت جروحهم بالخطيرة.

وفي يوم الخميس الموافق 26/ أكتوبر/ تشرين أول عام 2023 ارتقى الشهيد أسيد حمدي حميدات 17 عاماً بعد أن أصيب بجروح حرجة برصاص الاحتلال، ونقل على إثرها إلى المستشفى الاستشاري العربي، قبل أن يعلن الأطباء استشهاده متأثرًا بإصابته.

وتستمر المخيمات الفلسطينية في تقديم الغالي والنفيس كوقود لمعركة متوقدة فالأرض ثائرة بلا توقف ومقاومةٌ الفلسطينيين للاحتلال بالمرصاد، ويوما ما سيثمر النضال حريةً لشعب ما زال يرزح تحت الاحتلال منذ 70 عاماً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى