فلسطين المحتلة – خدمة حرية نيوز
لا يكتفي الفلسطينيون البعيدون عن الأرض أن يشاهدوها على الشاشات الذكية، فهي التي سكنت أجسادهم حتى باتت عضواً لا ينفك عن البدن، وارتقت أرواحهم حتى عانقت السمو الوطني، وعاشت في ذكرياتهم عبر تاريخ من المقاومة والفداء، هي الرفيق الذي لا يُترك، والظل الذي لا يُغادر، والأمل المتشبث بالوجود على الرغم من سلسلة اليأس التي يزرعها الاحتلال.
النشأة والبدايات
لم يكن الشهيد عزام الأقرع غير مناضل فلسطيني في قافلة حملت كل ثائر نحو الفردوس الأعلى شهيداً، ولد الأقرع في قرية قبلان بالقرب من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة في الحادي والثلاثين من شهر ديسمبر/ كانون الأول عام 1969، نشأ ترعرع في تلك القرية صبياً حتى غدى شبلاً في مساجدها يتنقل من حلقة إلى أخرى قارئاً كتاب ربه، متدبراً لمعانيه.
عاش الأقرع في قريته وسط 11 أخاً من أسرته إضافةً لوالديه، الأمر الذي دعاه لترك الدراسة في مرحلة مبكرة والانخراط مع والده في العمل ليساعده في توفير الاحتياجات المادية للعائلة، وعلى الرغم من بداياته العصامية غير أنَّه عرف بدماثة خلقه، وحسن تعامله مع الناس، ومساعدته لهم حتى غدى محبوباً في القرية، يسعى الجميع لصداقته والاقتراب منه.
مناضل في الانتفاضة الأولى
لم تشغله أعباء الاهتمام بتوفير الاحتياجات العائلية عن ممارسة النضال والبحث عن الشهادة فمنذ مطلع مرحلة شباب الأقرع وهو لم يكمل التاسعة عشر من عمره اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى وكان الأقرع أحد أبرز مقاتليها المنتمين لحركة المقاومة الإسلامية حماس التي انطلقت في ذات التاريخ والمرحلة .
ومع دخول الانتفاضة الفلسطينية عامها الثاني تعرض الأقرع لأول تجرية اعتقالية التي امتدت لتسعة أشهر، لم يثنه الاعتقال عن مواصلة النضال فبعد خروجه من السجن انخرط مجدداً في العمل الفدائي وكانت تجربته الاعتقالية الثانية في العام 1992. اعتقله الاحتلال مع مجموعة من كوادر حركة حماس في مدينة قبلان.
بينما كان يعتقد أنه في الحافلة التي تقله إلى السجن وإذا بالعصبة التي تغطي عينيه وتمنعه من معرفة المكان الذي هو فيه تنزل قليلاً أسفل العينين ليرى الشوارع المحيطة به، ولحظة من الزمن قرأ يافطة طريق مكتوب عليها مدينة طبريا، فما كان منه إلا أن رفع صوته عالياً ليسمعه كافة المعتقلين على ذات الحافلة.
وكان الاحتلال يقتاده مع 415 فلسطيني من قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى منطقة “مرج الزهور” في الجنوب اللبناني، حيث صقلت تلك التجربة على صعوبتها شخصيته وعرّفته على قيادة الحركة السياسيين والعسكريين. ومع عودة المبعدين منتصف عام 1993، قرر الأقرع عدم العودة وبقي في الخارج.
خارج فلسطين
انتقل الأقرع للعيش في سوريا ومكث فيها عدة سنوات والتقى بشقيقه الكبير عزمي الذي انخرط في الثورة الفلسطينية في الخارج منذ عام 1973، واستشهد عام 1997، وتعرف الأقرع على العديد من مناضلي الثورة الفلسطينية وقيادة حركة المقاومة الإسلامية حماس التي كانت تتخذ من سوريا مكاتب لها توجه المقاومة الفلسطينية وتطور من أدائها في الداخل.
تنقَّل الأقرع بين عدة دول، مثل مصر وتركيا ولبنان، وكان يرفض الزواج ويرى في ذاته شهيداً يدب على الأرض فلم يرتبط بأي فتاة من الدول التي زارها حتى توفي شقيقه عزمي ليرتبط بأرملته مربيا أطفال أخيه الأيتام، رزقه الله بطفلين هما عبد الله وعبد الرحمن.
عائلة لم تجتمع منذ 50 عاماً
يحاول الاحتلال الإسرائيلي على امتداد الثورة الفلسطينية أن يفرق بين العائلات مشعراً المقاومين وذويهم بحالة من الانقطاع نتيجةً لسياساته الاحتلالية، وتعاني عائلة الأقرع من عدم اجتماع العائلة منذ فترة طويلة من الزمن فالأخوين اللذين أصبحا شهيدين لم يكن يسمح للعائلة في بلدة قبلان بالتواصل معهما.
وفي حال حاولت العائلة التواصل فإنَّ قوات الاحتلال تقتحم القرية وتحاصر المنزل العائلي وتقوم بالتفتيش الدقيق وتخريب المحتويات المنزلية والعبث فيها، إضافة للتهديد والوعيد الذي قد يصل إلى السجن فانتماء الشهيد لكتائب القسام وتنفيذه للعديد من العمليات في الداخل المحتل عام 1948 جعله مطلوباً للاحتلال ممنوعاً من ممارسة الحياة العائلية.
موعد مع الشهادة
لم يعش الأقرع إلا ليواجه المحتل بكل قوة أو يلقى الله تعالى شهيداً، وترأس كتائب الشهيد عز الدين القسام في الضفة الغربية رئاسة جعلت منه مطلوباً للاغتيال من قبل قوات الاحتلال، وفي أكتوبر/ تشرين أول عام 2022 اتهمته قوات الاحتلال بالمسؤولية عن تنظيم خلية عسكرية تابعة للقسام خططت للعمل على اختراق شبكة الاتصالات الإسرائيلية “سيلكوم” بهدف الاستيلاء على معلومات من داخل صندوق الاحتلال الأمني مفيدة لأعمال المقاومة الفلسطينية.
وبعد اندلاع معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين أول عام 2023 اشتدت الملاحقة الأمنية للأقرع ولقيادة الحركة لا سيما الشيخ الشهيد صالح العاروري الذي يتهمه الاحتلال بإعادة تشكيل الجناح العسكري لحركة حماس في الضفة الغربية والقيام بالعديد من العمليات النوعية.
وفي مطلع العام 2023 مساء يوم الثلاثاء الثاني من يناير/ كانون الثاني اغتالت قوات الاحتلال الشهيد عزام الأقرع عبر استخدام مسيَّرة للاحتلال وصلت إلى بيروت المكان الذي اجتمع فيه شهيدنا مع مجموعة كوادر حركة حماس وقيادتها لا سيما الشيخ صالح العاروري وفاضت أروحهم إلى السماء وعانقت الشهادة ونزلت منازل الشهداء.