تقارير

اثنان وعشرون عاماً على استشهاد القسامي المقدام عماد الدين دروزة بنابلس

نابلس- خدمة حرية نيوز
توافق اليوم الذكرى الثانية والعشرين على استشهاد القائد الميداني في كتائب الشهيد عز الدين القسام الشهيد عماد الدين دروزة، والذي ارتقى برفقة قائد الكتائب في الضفة الغربية مهند الطاهر، بعد قصف طائرات الاحتلال المنزل الذي تواجدا به، عقب اشتباكٍ مسلح دام لساعات.

ولد الشهيد القائد عماد الدين نور الدين دروزة بعد آذان الفجر مباشرة فجر يوم الجمعة الموافق الثالث من شهر أيلول/ سبتمبر عام 1965، لأسرة معروفة بالتدين والتقى والصلاح بمدينة نابلس بالضفة الغربية.

وترعرع شهدنا القسامي في أوساط عائلة قدمت الكثير في سبيل الله ولأجل فلسطين، فوالده الحاج نور الدين دروزة هو أحد الوجوه الإسلامية وأحد رجالات الإصلاح المشهورين في مدينة نابلس، كما أنه من الدعاة المعروفين الذين تتلمذ ولا زال العشرات من الشباب على يديه في دروس تجويد القرآن.

كان الشهيد محباً لدينه ووطنه، وعُرف عنه أنه كان باراً بوالديه ومخلصاً ووفياً لأصدقائه، وصاحب ابتسامة وأخلاق حميدة، وارتاد المساجد مبكراً ونشأ على حلقات العلم.

مربي الأجيال
درس عماد الدين الفقه والتفسير والحديث على يدي شيوخ وأساتذة كرام في مسجد خالد بن الوليد، ومسجد الحاج معزوز المصري، وبعدها أصبح أستاذاً ومن العاملين على إحياء العلوم الفقهية وتحفيظ القرآن الكريم في هذه المساجد، وخاصة في مسجده عبد الرحمن بن عوف، وربّى جيلاً من الأشبال والطلاب وحفظة القرآن.

تأثر شهيدنا القسامي بشخصية الصحابي الجليل أنس بن مالك، وكان من المثابرين في دراسته بالمدرسة، إلى جانب حبه لدروس الفقه والعلم، وأنهى الثانوية العامة عام 1984، والتحق بعدها في العمل التجاري الخاص بعائلته.

تزوج عماد الدين عام 1989 من فتاة ملتزمة ومتدينة من نابلس، ورزق من الأنباء ثلاثة أولاد، هم أنس ومراد ومحمد، ومن البنات عطاف وجمان، وعُرف عنه حبه الشديد لأسرته وقيامه بواجباته الأسرية على أكمل وجه، رغم انشغاله في دعوته وجهاده، الذي لم يكن يثنيه عن متابعة شؤون الأسرة في كل ما تحتاج.

وسبق عماد الدين إلى طريق الشهادة شقيقه القائد صلاح الدين دروزة، الذي اعتقل في سجون الاحتلال والسلطة مرات عديدة، وهو أحد المبعدين إلى مرج الزهور عام 1994، وكان ممثل حركة حماس في لجنة التنسيق الفصائلي في نابلس، واستشهد بعد قصف سيارته بتاريخ 25/07/2001.

الالتحاق بحركة حماس
التحق عماد الدين في صفوف حركة المقاومة الإسلامية حماس منذ أن كان شبلاً في المساجد، وقد كان من النشيطين جدا والمهتمين بمتابعة المجلات الدعوية ومجلات الأشرطة الإسلامية، وإضافة إلى ذلك فقد كان ناشطاً في مقاومة جنود الاحتلال ومن المشاركين في فعاليات حركة حماس خلال الانتفاضة الأولى.

ونتيجة لجهاده ومقاومته تعرض إلى الاعتقال في سجون الاحتلال عام 1993، إلا أنه بفعل صموده وإنكاره لجميع التهم التي وجهها ضباط المخابرات الصهيونية له، تم الحكم عليه بالسجن لمدة 6 أشهر إداري قضاها في سجن النقب الصحراوي، ثم تم الإفراج عنه.

أعاد الاحتلال اعتقاله مرة ثانية وخاضع خلالها لتحقيق متواصل لمدة شهرين دون أن يستطيع الاحتلال إدانته أو إثبات أي تهمة بحقه، فكان بحق كالأسد الرابض خلف القضبان يرفض الانكسار والاستسلام أو رفع الراية البيضاء أمام محققيه الذين فشلوا أمامه بفعل قوة شكيمته وعزيمته المتوقدة.

مع اندلاع انتفاضة الأقصى المباركة عام 2000 انخرط الشهيد بفعالياتها منذ البداية، وشارك بنشاطات حركة المقاومة الإسلامية حماس وكان من المنظمين والمشرفين على بعضها، وبعد استشهاد شقيقه القائد صلاح الدين دروزة (أبو النور) بقصف صهيوني غادر، قطع عماد الدين العهد على نفسه أن يجاهد ويثخن الجراح في العدو حتى يكرمه الله بالشهادة.

هدف للاغتيال
بعد أربعة أشهر فقط من استشهاد (أبو النور) أصبح عماد الدين هدفا للاحتلال، الذي بدأ يلاحقه ويترصده لاغتياله، فقرر شهيدنا خوض غمار المطاردة بعد أن التحق بصفوف كتائب الشهيد عز الدين القسام في أواخر عام 2001.

وما أن اقتحمت قوات الاحتلال الصهيونية مدينة نابلس ضمن عملية السور الواقي في شهر نيسان عام 2002، حتى كان منزل شهيدنا الكائن في حي واد التفاح غرب مدينة نابلس عرضة لمداهمة قوات الاحتلال التي فشلت في اعتقاله نتيجة غيابه عن منزله واختفائه عن الأنظار، فعاودت مرة ثانية ومرة ثالثة لاعتقاله دون جدوى.

وفي إحدى المرات وخلال مطاردة الشهيد اقتحمت قوات صهيونية كبيرة أحد المنازل بعد ورود معلومات استخبارية من الجواسيس والعملاء تفيد بتواجد الشهيد وعدد من المجاهدين الخطيرين في المنزل، حيث تحصن المجاهدون في “سدة صغيرة” بالمنزل وجهزوا أنفسهم للشهادة في حال اكتشاف أمرهم.

وبعد أكثر من ثلاث ساعات من التفتيش الدقيق في المنزل، ارتدت قوات الاحتلال خائبة تجّر أذيال الخيبة والحسرة، إذ تكفل الله بحمايتهم وحفظهم والطمس على وجوه جنود الاحتلال الذين لم يتركوا زاوية في المنزل إلى وبحثوا فيها، وكان ذلك بمثابة عمر جديد كُتب لهم ليواصلوا مسيرة الجهاد والإثخان بالعدو المحتل.

ونظراً لشجاعة عماد الدين، ولأنه أحد المجاهدين المخلصين الذين قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الله، أصبح شهيدنا المرافق الأيمن لقائد كتائب الشهيد عز الدين القسام في الضفة الغربية، الشهيد القائد مهند الطاهر الذي أطلقت عليه المخابرات الصهيونية لقب “آلة الموت”.

وأصبح المجاهدان اللذان رافقا بعضهما البعض خاصة بعد اشتداد الهجمة الصهيونية المسعورة عليهما خلال عملية السور الواقي التي تم فيها اقتحام مئات المنازل في مدينة نابلس بحثا عنهما، يجهزان لضرب الصهاينة في عمقهم، ووجهوا ضربات مؤلمة كان آخرها قبل أسبوعين فقط من استشهادهما عندما فجر الاستشهادي القسامي محمد الغول من مخيم الفارعة قرب نابلس نفسه في حافلة صهيونية في حي “جيلو” بالقدس المحتلة بتاريخ 18/6/2002 ليصرع أكثر من 22 صهيونيا ويصيب العشرات بجراح مختلفة.

العملية الجريئة
لا شك أن العملية الجريئة التي نفذها الاستشهادي محمد كانت لطمة قوية للاحتلال، الذي عجز عن منع وقوعها رغم اجتياحه مدن الضفة، فجنّ جنونه وفرض طوقاً أمنياً مشدداً على مدينة نابلس، وشن حملة مداهمات كبيرة كان عنوانها “يجب قطع رأس الأفعى والوصول إلى مهند الطاهر” الذي أشارت كل التقارير الاستخبارية أنه هو من أعدّ الحزام الناسف للاستشهادي محمد الغول.

وبالفعل ونتيجة المتابعة الحثيثة وتجنيد ضباط المخابرات الصهاينة كل إمكانياتهم وطاقاتهم للوصول إلى هدفهم الذي استطاع ضربهم رغم مطاردته وملاحقته، حاصرت قوات صهيونية كبيرة جدا الشهيدين مهند الطاهر وعماد الدين دروزة اللذين تحصنا في أحد المنازل بحي “المساكن الشعبية” شرق مدينة نابلس، وانتشر المئات من جنود الاحتلال والقناصة على أسطع جميع البنايات المحيطة، وحلقت في المكان ثلاث طائرات حربية.

وما هي إلا لحظات حتى اندلع اشتباك مسلح عنيف جدا بين القوات الصهيونية المدججة بكل أنواع السلاح، واثنان فقط من المجاهدين الأشداء الذين لم ترهبهم حشودات الاحتلال فأقبلوا ولم يدبروا، وقاتلوا واستبسلوا وظلوا ضاغطين على الزناد حتى آخر طلقة.

واستمرت الاشتباكات المسلحة أكثر من ثلاث ساعات متواصلة، شهد على ضراوتها كل سكان المنطقة الشرقية من نابلس، قبل أن تتدخل الطائرات الصهيونية وتطلق نيران رشاشاتها الثقيلة باتجاه المنزل، وتبدأ الجرافات الكبيرة بهدم أطراف المنزل.

وبعد مسيرة طويلة من الجهاد والعمليات الاستشهادية التي شفت صدور قوم مؤمنين، حان وقت الرحيل إلى جنان الخلد حيث النبيين، فارتقت بتاريخ 30/6/2002 إلى العلا روح كل من الشهيد مهند الطاهر ورفيقه في الجهاد والمقاومة الشهيد عماد الدين دروزة بعد معركة مشرفة شهد لها القاصي والداني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى