أخبارتقاريرسلايدمقال

الداخل المحتل بين معركتي سيف القدس وطوفان الأقصى أين وصلت هبة الكرامة؟

الداخل المحتل – خدمة حرية نيوز
يعيش المجتمع العربي في الشطر الفلسطيني المحتل عام 1948 حالةً من الانسجام العملي مع ثقافته وهويته، فلم تنجح محاولات الاحتلال عبر العصور أن تغير من وجهة نظره تجاه وطنه وأمته، كما فشل تجدد الأيام من أن تبدد ذاكرةً عاشت في فلسطين قبل قدوم الاحتلال، واختارت الرسوخ في الأرض كشجرة معمرة أصلها ثابت في الأرض ممتد نحو عمق التاريخ، وأما فرعها فما زال متجدداً مؤمناً بقضيته العادلة.

ليس غريبا أن يخفي الفلسطيني الذي أجبر على حمل الجنسية الإسرائيلية انتمائه الأصيل للوطن الذي عاش أجداده فيه، وذلك ربما لإبعاد مفاسد كبيرة قد تلحق به نتيجةً الإفصاح عن المشاعر الصادقة، إلا أنَّ منعطفات القضية تجبر المواطن على النطق والإفهام، مبدداً حجب الترديد والإبهام حول هويته أمام الاحتلال، فيتحول إلى ثائر مطالب بحقوقه المنزوعة، مقدماً الشهداء على مذبح الحرية والانعتاق.

القدس مهوى القلوب
في ساحات المسجد الأقصى المبارك، وداخل أحيائه القديمة، ذكريات شعب لا تنسى، وأمل حرية قادمة يراها الفلسطينيون حقاً كما يرون الشمس بازغةً في كل صباح، في عام 2021 أصدرت قوات الاحتلال قراراً بهدم 7 منازل في حي الشيخ جراح إحدى احياء القدس الغربية، قراراً أصاب كرامةَ الفلسطيني بمقتل، فخرجت الجموع الفلسطينية في الداخل المحتلة في مواجهة هي الأعنف من نوعها مع الاحتلال.

ومع استمرار الانتهاكات الإسرائيلية للمسجد الأقصى المبارك، المتمثلة بالانتهاكات اليومية، والتدنيس المستمر لساحات المسجد، والمنع المتكرر لدخول المسلمين، ومحاولة تقسيم الأقصى زمانياً ومكانياً كما فعل الاحتلال في الحرم الإبراهيم الشريف في مدينة الخليل، ازدادت المواجهة ضراوة واشتعلت الإطارات المطاطية ورميت الحجارة على الاحتلال داخل كيانه المحتل، العرب الفلسطينيون الحاملين للجنسية الإسرائيلية كانوا هم وقود هذه المعركة.

لم تمض ساعات حتى اشتبك الفلسطينيون في داخل مدن الاحتلال المشتركة بين العرب واليهود، وواجه الاحتلال هذه الهبة بالقمع والتنكيل وقدم الشعب الفلسطيني شهداء، واعتقل الاحتلال العديد من الأسرى، وما زالت آثار هبة الكرامة ماثلةً حتى يومنا هذا.

لحظة هامة في تاريخ الفلسطينيين
شكلت هذه الهبة لحظة فارقة في تاريخ الفلسطينيين، مسقطةً خطط الاحتلال القائمة على أساس دمج المجتمع العربي بالهوية الإسرائيلية عبر محو تاريخه الطويل، كما أنها بينت للاحتلال أنَّ سياسيات الإرهاب والتخويف المستمرتين تجاه العرب في الداخل المحتل لن تثمر إلا ثورةً مناهضة له.

كما أنَّها أسقطت الحد الفاصل ومشاريع العزل والتحييد بين الفلسطينيين في أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة والأرض المحتلة عام 1948، ووحدت الطاقات والجهود في مشروع واحد يتمثل في التخلص من الاحتلال واسترداد كامل الأرض.

وأجهزت هذه الهبة معنوياً وثقافياً على اتفاق أوسلو المزعوم الموقع بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية والقاضي بالتنازل عن كامل التراب المحتل عام 1948، معززةً للهوية الوطنية الفلسطينية لدى الجيل الجديد الذي لم يشهد النكبة، وربما لم يسمع عنها من ذي قبل.

وكسرت حاجز الخوف الذي صنعه الاحتلال الإسرائيلي على مدار عمره الزائل، وجعلت من الانتفاضة ضد عنصريته، وتدخلاته في تغيير الثقافة العربية علاوة على تدمير البيوت المسكونة وتهجير المواطنين وإجبارهم على هدم بيوتهم في القدس المحتلة قضيةً ممكنة ما دام الإصرار سيد الموقف، وما بقيت الحقوق تنطق شعبها طلباً تارةً وانتزاعاً أخرى.

القسام يهدد ثم ينفذ
أطلقت كتائب الشهيد عز الدين القسام من قطاع غزة على لسان رئيس أركانها محمد الضيف تهديداً للاحتلال تأمره بإيقاف انتهاكاته بحق المقدسيين واقتحاماته المتكررة للمسجد الأقصى المبارك، ووضعت الساعة السادسة مساءً معياراً لخنوع والتزام الاحتلال وإلا أطلقت العنان لصواريخها دكاً لعمق المحتل الإسرائيلي.

تعنت الاحتلال، ولم يقبل الانصياع لأوامر القسام، وجاءت الساعة السادسة عاصفةً بصواريخ المقاومة الفلسطينية القادمة من قطاع غزة نحو القدس الشريف، لقد أسرَت الصواريخ قبل غروب الشمس لتكون أول معركة تبدأ بها المقاومة الفلسطينية والتي استمرت 10 أيام ارتقى فيها العديد من الشهداء.

طوفان الأقصى مولد جديد
لم تتوقف احتجاجات الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة عام 1948 لكنها أخذت أشكالاً جديدة، تحمي أرواح المواطنين، وتحقق أهدافاً مرجوة، ومع انطلاق معركة طوفان الأقصى تجدد الانتماء للقضية الفلسطينية وأعيد نبض الداخل إلى ما كان عليه من قبل.

غير أنّ الاحتلال الإسرائيلي واجه أي تعبير عن التضامن مع قطاع غزة من قبل المجتمع العربي بالقمع الذي يبدأ بالاعتقال وربما ينتهي بالقتل العمد، ومما يدل على ذلك منع الاحتلال لمظاهرتين متضامنتين مع المدنين في قطاع غزة كانتا ستنظمان في مدينتي سخنين وأم الفحم بناءً على طلب مركز عدالة الحقوقي و الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة. وخصص الاحتلال مجموعة كبيرة من جنوده لفض المسيرتين مدعياً أنَّ هذا يتنافى مع انتماء سكان دولة الاحتلال.

حتى إذا لم يتمكن الفلسطينيون في الداخل المحتل مع الاحتجاج أو القيام بأي رفض للسياسة الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، غير أنَّ هذه المعركة ستترك أثراً واضحاً في المجتمع العربي، وستجدد الانتماء الفلسطيني للقضية والدولة بعد التحرير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى