تقاريرسلايد

والدة الفدائي بلال أبو غانم: الأسر لن يطول والاحتلال إلى زوال

القدس المحتلة:
“سيرة الأبطال ليست ملكاً لهم أو لذويهم وأحبائهم، بل هي لفلسطين تعلِّمها للأحرار الشرفاء، تلقنها للأشبال يرون من خلالها العزة والكرامة أمثلة مضيئة تحيا بشموخ لا يعرف الاستسلام”، هكذا قالت والدة الفدائي بلال أبو غانم.

وحسبما تقول عطاف أبو غانم، والدة الأسير بلال أبو غانم، أن “ابنها مدرسة ستتركها بين أيدينا لنتعلم منها، ليس لأنه ابنها، بل لأنه نموذج يُحتذى به وقدوة لمن يريد الاقتداء”.

ووصفت أبو غانم نجلها “بلال دمه حامي”، يثور أمام مشاهد الاعتداء على المرابطات في المسجد الأقصى وعلى الأطفال في القدس

في اليوم الذي أحرق فيه المستوطنون عائلة دوابشة في قرية دوما تأكدت والدته أنه سينتقم لدمائهم بطريقته الخاصة.

وتضيف: “أما الشعرة التي دفعته للمضيِّ قُدماً فيما فعل برفقة صديقه بهاء عليان، فهي صورة الطفل أحمد مناصرة ابن الثلاثة عشر عاماً

وهو مُلقى على الأرض حياً غارقاً بدمائه، يشتمه المستوطنون ويدعون جيش الاحتلال لقتله ويضربونه بأرجلهم بعد أن دعسته سيارة مستوطن”.

وتابعت: “مرت سيارة إسعاف الاحتلال من أمامه دون أن تقوم بما عليها من تقديم الإسعاف الأولي له، وكأنه ليس ببشر!

ويوجهون له اتهاماً بأنه كان بصدد تنفيذ عملية طعن برفقة ابن عمه، ثم تسريب مقطع فيديو للمحقق يضغط عليه ويصرخ به لدفعه للاعتراف بما يريد،

وهذا الشبل يصرخ باكياً وهو يضع يديه على رأسه ويقول:” مش متذكر.. مش متأكد””.

وتشير عطاف أبو غانم أن بلالا ضرب الجنود على بوابات الأقصى مرات عدة خلال دفاعه عن المصلين والمرابطين، الأمر الذي قاده للأسر ليمضي فيه 14 شهراً، ولكن ذلك لم يخلّف لديه إلا مزيداً من الإصرار.

تنفيذ العملية

وتقول أبو غانم: “في المساء سألني عن بلوزته الخضراء، وطلب مني أن أغسلها، فقلت له: خذ غيرها.. فقال: لا، أريدها غداً لمشوار ضروري. غسلتها وتركتها تجف دون أسأله عن المشوار الضروري، ولم أكن أعلم أن هذا المشوار سيغير حياة بلال! خرج في سبيله في الصباح يقصد محل الكوكتيل الذي يعمل فيه، أو هكذا طننتْ!”.

وأضافت: “كنت خارج البيت أيضاً لقضاء بعض الحاجيات حين تناهت إلى سمعي أنباء عملية مقاومة في جبل المكبر، وخزني قلبي وشعرت بأن للأمر علاقة بي، أخرجت الموبايل من حقيبتي واتصلت ببلال.. المرة الأولى لم يرد، وكذلك الثانية، والثالثة، حتى الخامسة، ليتيقن قلبي حينها من هوية المنفذ”.

وقفت والدة بلال أمام أحد المحلات ترقب البث المباشر على شاشة مثبتة على جدار المحل في الداخل، قوات الاحتلال تملأ مكان العملية، سيارات إسعاف، صحافة تصور الحدث، وصحفيون يُقدمون تقارير عن العملية لشبكاتهم الإخبارية، قال الصحفي: شابان فلسطينيان دخلا الحافلة رقم 78 في مستوطنة “أرمون هنتسيف” المقامة على أراضي جبل المكبر.

وتقول أبو غانم إنها وبلمح البصر شاهدت لقطة على التلفاز لشاب مُلقى أرضاً، لم تغادر تلافيف ذاكرتها، مضيفة: “أيكون هو؟ إنه يرتدي بلوزة خضراء!! أنا متأكدة أنه هو ولا أحد غيره! تماسكتُ.. شعرتُ بتضارب غريب خلَط أفكاري بمشاعري وخلَّف في أعماق روحي مزيجاً غامضاً من الإحساس بالضياع والفراغ والفخر في الوقت ذاته”.

وتتابع: “سارعت بالعودة إلى البيت أبحث عما يُسكن روحي: فعلها بلال إذن؟! وبدأت الفضائيات تبثُّ تفاصيل العملية، استشهد رفيقه بهاء عليان وهو الذي كان يحمل السكين يطعن بها المستوطنين داخل الباص، وأصيب بلال بجراح بالغة، وهو الذي كان يحمل مسدساً يطلق منه الرصاص، والحصيلة الأولية للعملية قتل 3 مستوطنين وجرح أكثر من 20”.

جريح وشهيد

علمت والدته لاحقاً أنهم سحلوه وهو غارق بدمائه، شظايا الزجاج تنغرس في جلده ورصاصات أربع تستقر في أماكن مختلفة من جسده إحداها استقرت داخل رئته.

واستشهد رفيقه بهاء عليان وصودرت جثته واحتجزت في الثلاجات “مقابر الأرقام” قبل أن يُسلِّمها الاحتلال لوالده بعد سنة تقريباً ويفرض عليه دفنها في مقبرة المجاهدين في البلدة القديمة تحت جنح الظلام وبحضور عدد قليل جداً من المشيعين.

محكمة ظالمة

قال بلال للصحافيين في المحكمة: “ما فعلناه كان رداً على اعتداءاتهم على نسائنا وأقصانا”.

وعندما طلب منه القاضي أن يقف للجنة القضاء قبل تلاوة الحكم، رفض الوقوف قائلاً: “لا يستطيع كيانكم أن يجعلني أقف لمحكمة عسكرية لا أعترف بشرعيتها”، الأمر الذي أثار حنق القاضي، فأصدر بحقه حكماً جائراً بالسجن ثلاثة مؤبدات و60 سنة إضافية (أي ما مقداره 257 عاماً).

ولم تقتصر المحكمة الظالمة على بلال بالسجن المؤبد، بل وغرامة مالية مقدارها مليون و900 ألف شيقل يدفعها للضحايا وأهلهم وتعويضاً لسائق الحافلة، كما صدر عليه حُكم بسحب هوية القدس منه، وإخلاء ذويه من البيت الذي يستأجرونه في العمارة التي يسكنون طابقها الثالث.

بلال والأسر

وفي رسالة له من داخل سجنه قال بلال: “نحن لم نقتل لمجرد القتل، بل حرصنا على ألا يكون القتل عشوائياً، لقد أنزلنا مجموعة من الأطفال وكبار السن قبل الشروع في تنفيذ العملية”.

وأضاف بلال: “عمليتنا جاءت للرد على اقتحامات المسجد الأقصى، واستهداف النساء من قوات الاحتلال ومستوطنيه الذين استهدفناهم في الحافلة”.

“قهروني.. وعلَّمِت عليهم”، بهذه الكلمات المزلزلة رددها بلال في زيارة والدته الأولى له في الأسر، ما جعلها تستحضر في ذاكرتها كل عناد بلال وإصراره وكل سنوات القهر الذي عايشه في الوطن المبتلى بالاحتلال.

ولا تكاد تفوت عطاف أبو غانم أي زيارة لنجلها بلال، وبخاصة أن والده وإخوته ممنوعون من زيارته، فتتحمل مشقة السفر من الساعة الخامسة صباحاً حتى الساعة التاسعة مساءً، وتصبر على التفتيش المهين المرهق؛ لتراه لمدة 45 دقيقة شهرياً من خلال زجاج سميك وتتحدث معه عبر هاتف.

في الأسر يُعلم بلال أصحابه القرآن، كما كان يعلِّمه لأشبال جبل المكبر، بعد أن تعلَّمه على بلاط الأقصى في طفولته؛ ما جعله مرتبطاً به محباً له، لا قِبَل له بالابتعاد عنه، مؤمناً بأن الاحتلال إلى زوال.

وتتيقن والدة بلال أن “بلال فسيخرج من الأسر على أيدي المقاومة الطاهرة التي لا تغمض عينيها ما دام الأسرى يملؤون سجون المحتلين، والاحتلال إلى زوال”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى