مقال

معركة طوفان الأقصى المظفرة والإستراتيجيات المعتمدة للكتائب

أحمد .م. الزرقان

أحمد .م. الزرقان.

الله سبحانه وتعالى بيّن للإنسان طريق الخير والشر ” وهديناه النجدين”، وذلك عن طريق الرسل والرسالات السماوية، والتي كانت خاتمتها الدين الإسلامي الحنيف، وعلى الإنسان أن يعمل الخير ويبتعد عن الشر لكي ينجوا في الدنيا والآخرة، ولكن الله قد يبتليه بالمكروه الذي هو الشر، فما عليه إلا الصبر والإحتساب الذي يأجره عليه الجزاء الأوفى، والإنسان في الإبتلاء لا يعلم أين يكون الخير، فقد يكون الخير في الشر المبتلى به، وقد يكون الشر في الخير المبتلى فيه، وفي قصة موسى عليه السلام مع الخضر التي وردت في سورة الكهف أكبردليل وبرهان عن هذه القواعد التي أوردناها آنفاً.

واليوم نقف مع الإستراتيجية رقم 29ــ وفي قول الله سبحانه [ كُتبَ عليكُمُ القتالُ وهو كُره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم والله يعلمُ وأنتم لا تعلمون] 216 البقرة، والطبيعة البشرية مجبولة على حُبّ الدنيا وكراهية الموت، وذلك من أجل عمارتها، والإنسان العاقل السوي وخاصة المؤمن يُحب الخير لنفسه وللناس، وشياطين الإنس من اليهود ومن لفّ لفهم من المشركين والمنافقين أنانيون ولا يُحبون الخير إلا لذواتهم فقط، ويكرهونه للناس.

ويعلق سيّد قطب رحمه الله على الآية السابقة فيقول: [ إن القتال في سبيل الله فريضة شاقة، ولكنها فريضة واجبة الأداء لأن فيها خيراً كثيراً للفرد المسلم، وللجماعة المسلمة، وللبشرية كلها، وللحق والخير والصلاح.

والإسلام يحسب حساب الفطرة، فلا يُنكر مشقة هذه الفريضة، ولا يُهّون من أمرها، ولا يُنكر على النفس البشرية إحساسها الفطري بكراهيتها وثقلها، فالإسلام لا يُماري في الفطرة، ولا يُصادمها، ولا يُحرّم عليها المشاعر الفطرية التي ليس إلى إنكارها من سبيل، ولكن يُعالج الأمر من جانب آخر .. مُربياً لها على الطاعة، ومفسحاً لها في الرجاء، لتبذل الذي هو أدنى في سبيل الذي هو خير، ولترتفع عن ذاتها مُتطوعة لا مُجبرة، ولتحس بالعطف الإلهي الذي يعرف مواضع ضعفها، ويعترف بمشقة ما كتب عليها، ويحدو لها بالتسامي والتطلع والرجاء، وهكذا يُربي الإسلام الفطرة، فلا تملّ التكاليف، ولا تجزع عند الصدمة الأولى، ولا تخور عند المشقة البادية، ولا تخجل وتتهاوى عند انكشاف ضعفها أمام الشدّة، ولكن تثبت وهي تعلم أن الله يعذرها ويمدها بعونه وقوته ..

إنه منهج في التربية عجيب، منهج عميق بسيط، منهج يعرف طريقه إلى مسارب النفس الإنسانية وحناياها ودروبها الكثيرة، بالحق والصدق لا بالإيحاء الكاذب، والتمويه الخادع.. فهو حق أن تكره النفس الإنسانية القاصرة الضعيفة أمراً ويكون فيه الخير كل الخير، وهو حق كذلك أن تُحب النفس أمراً وتتهالك عليه وفيه الشر كل الشر، وهو الحق كل الحق أن الله يعلم والناس لا يعلمون ! ماذا يعلم الناس مما وراء الستر المسدل؟ وماذا يعلم الناس من الحقائق التي لا تخضع للهوى والجهل والقصور؟!

إن هذه اللمسة الربانية للقلب البشري لتفتح أمامه عالماً آخر غير العالم المحدود الذي تُبصره عيناه، وتبرز أمامه عوامل أخرى تعمل في صميم الكون، وتقلب الأمور، وتُرتب العواقب على غير ما يظنه ويتمناه، وكل إنسان في تجاربه الخاصة يستطيع حين يتأمل أن يجد في حياته مكروهات كثيرة كان من ورائها الخير العميم، ولذّات كثيرة كان من ورائها الشر العظيم، وكم من مطلوب كاد الإنسان يُذهب نفسه حسرات على فوته ثم تبين له بعد فترة أنه كان إنقاذاً من الله أن فوّت عليه هذا المطلوب في حينه، وكم من محنة تجرعها الإنسان لاهثاً يكاد يتقطع لفظاعتها ثم ينظر بعد فترة فإذا هي تُنشىء له في حياته من الخير ما لم يُنشئه الرخاء الطويل، نعم إن الإنسان لا يعلم، والله وحده يعلم، فماذا على الإنسان لو يستسلم ؟ إن هذا هو المنهج التربوي الذي يأخذ القرآن به النفس البشرية، لتؤمن وتسلم وتستسلم في أمر الغيب المخبوء، بعد أن تعمل ما تستطيع في مُحيط السعي المكشوف..].

نعم هذه هي التربية الربانية لعباده، والذي تمثلها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم، فباعوا أنفسهم رخيصة لله، واشتروا الآخرة فصنعوا خلال عقدين من الزمن أكبر دولة خلافة حكمت العالم بالعدل والإحسان.

واليوم المجاهدون في غزة يُعيدون لنا هذه السيرة الطيبة في التضحية والفداء والبطولة النادرة، ففي (7) تشرين عندما طلبت قيادة القسام مجموعة الكتائب في الساعة الثالثة فجر السبت وعددهم (1200) مجاهد، وأخبروهم بعملية الهجوم على مستعمرات غلاف غزة الساعة السادسة صباحاً، أخذوا يُكبّرون، وسجدوا جميعاً شكراً لله أن اختارهم لهذه المهمة العظيمة، فلما قالوا لهم من يُريد أن يعتذر فله ذلك، قالوا جميعاً [ نحن ننتظر هذا اليوم بفارغ الصبر إما أن يختارنا الله شهداء أو يمنحنا النصر من عنده]، ولم يعتذر منهم أحداُ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى